الجمعة، 7 فبراير 2014
9:02 م

كهرباء




إنها الكهرباء ... عصب حياتنا اليومية و شريانها ، لولاها لكانت حياتنا شيئاً آخر بدون أي جدال أو نقاش . 
و لكن ، هل صادفك يوم أمسكت سلكا لتتبعه باحثاً عن نهايته فتجد نفسك وصلت إلى نهاية سلك غير الذي بدأت منه ؟ أو ترنو بنظرك إلى مدخل بناء سكنك و تجد الأسلاك تتدلى و تتداخل فتقلع عن عمل رغبت القيام به خوفاً من الدخول في أدغال تلك الأسلاك المفترسة و المشبعة بالأخطار ؟ ... نعم ، قد أبالغ نوعاً ما في تهويلي للقضية ، و لكن عندما تسمع بأن الكهرباء ستنتقل في يوم ما بشكل لا يدع للأسلاك مجالاً لأن تتدخل في نقلها فسيكون ذلك بالتأكيد خبراً جيداً بالنسبة لك . أليس كذلك ؟ 



عكف العلماء على استحداث تقنيات نقل الكهرباء بشكل لاسلكي منذ زمن طويل ، و أولهم ذلك العالم نيكولا تسلا (NICOLA TESLA ) صاحب نظريات الحقول الكهربائية ، و كانت أولى خطواته في ذلك المجال مشروعه الصغير في إمداد بعض الأضواء بالكهرباء عن بعد في مركز أبحاثه الخاص . 
لقد كانت تجارب تسلا في هذا المجال مؤثرة جداً و لكنها لم تلقَ انتشاراً في تلك الفترة نظراً لعوزها الكبير للتجربة و المنهج العملي لتحقيق النقل اللاسلكي . و منذ ذلك الوقت حاول الباحثون تحقيق الهدف المطلوب في نقل الكهرباء لمسافات بعيدة لا سلكياً و لكن أغلب الخطا أخذت شكل أبحاث علمية 
و تصاميم و مخططات فقط . و لم يرَ النور منها عملياً و بشكل واسع إلا جزء صغير من التطبيقات
(كفرشاة الأسنان الكهربائية) .
إن التعرض اليومي لشاحن فرشاة الأسنان الكهربائية (في حال توصيلها سلكياً) إلى الماء قد يجعله معرضاً للتلف و مصدراً للخطر ، كما سيسمح للماء بالتغلغل في الأجزاء الداخلية للجهاز و إتلافها ، و لذلك ، يتم إعادة شحن فرشاة الأسنان عن طريق محولة تحريضية . 
تستخدم المحولة التحريضية الحقول المغناطيسية الناتجة بشكل طبيعي عن حركة التيار في الأسلاك ، حيث تتولد هذه الحقول الدائرية الشكل حول السلك بمجرد مرور تيار فيه ، و تشكيل هذا السلك على هيئة ملف ( أو وشيعة ) سيضخم من قيمة شدة هذا الحقل ، حيث كلما ازداد عدد لفات الوشيعة ستزداد شدة الحقل المتولد . 
فإذا تم وضع وشيعة أخرى ضمن مجال عمل الحقل الأول الذي تم توليده فيمكن توليد تيار تحريضي داخل هذه الوشيعة الثانية ، و هذا مبدأ عمل المحولات بشكل عام ، و المحولة التي زودت بها فرشاة الأسنان بشكل خاص ، و تتلخص عملية شحنها بالخطوات الثلاث التالية : 
1. يمر تيار التغذية من مقبس الحائط عبر الوشيعة الأولى في الشاحن مولداً حقلاً مغناطيسياً .( وفي المحولة يتم تسميتها بالملف الأولي أو الابتدائي .(Primary Winding ) 
2. عندما يتم وضع الفرشاة في الشاحن فإن الحقل المغناطيسي يولد تياراً محرَّضاً في وشيعة ثانية تسمى بالملف الثانوي (Secondary Winding ) التي ترتبط بشكل مباشر مع البطارية . 
3. هذا التيار المحرًّض يقوم بشحن البطارية . 
يمكنك أن يطبق ذات المبدأ لشحن مجموعة من الأجهزة في نفس الوقت ، على سبيل المثال ، جهاز Splashpower Recharging Mat و جهاز Edison Electric's Powerdesk كلاهما يستخدمان مبدأ الوشائع السابق لتوليد حقل مغناطيسي ، و تكون الأجهزة الالكترونية مزودة بمستقبلات مدمجة داخلياً لتتم عملية شحنها أثناء وضعها على لوحة الجهاز ( كما هو موضح بالصورة ) ، هذه المستقبلات تحتوي على وشائع مناسبة لتقوم بعملية الشحن أثناء وصل جهاز الشحن بالكهرباء . 
و هناك نظرية تعتمد على نفس المبدأ لنقل الكهرباء لمسافات بعيدة ، و سنرى كيف تعمل في القسم التالي . 

القسم الثاني:الرنين و الطاقة اللاسلكية 
تنتج الاجهزة المنزلية حقول مغناطيسية صغيرة متناسبة معها. لهذا السبب، توضع الأجهزة على مسافة معينة ضرورية لتحريض تيار، و الذي يمكن أن يحدث فقط ان كانت الملفات قريبة من بعضها. يمكن لحقل أكبر و أقوى أن يحرض تيارا من مسافة أبعد، لكن هذه العملية لن تكون فعالة أبدا. لأن الحقل المغناطيسي سينتشر في كل الاتجاهات مكونا حقلا أكبر و الذي يؤدي الى خسارة الكثير من الطاقة . 
مع ذلك، فانه في شهر نوفمبر من عام 2006، أعلن الباحثون في ولاية بوستن (M I T)Massachusetts Institute of Technology أنهم قد اكتشفوا طريقة فعالة لنقل القدرة بين ملفات يفصل بينها بضعة امتار. وضع الفريق – الذي يقوده Marin Soljacic – نظرية تقول انه يمكن زيادة المسافة بين اللفات باضافة الرنين الى المعادلة . 

لفهم الرنين جيدا علينا التفكير به في مجال الصوت. تحدد بنية الجسم الفيزيائية – مثل حجم البوق وشكله الخارجي- تحدد تردد الاهتزاز الطبيعي لهذا الجسم . و يكون هذا هو تردد الرنين له. من السهل جعل الاجسام تهتز عند تردد الرنين الخاص بها و من الصعب جعلها تهتز عند ترددات أخرى. لهذا السبب نجد أن العزف على البوق يمكن أن يسبب اهتزاز بوق آخر موجود قريبا منه. يملك هذان البوقان نفس تردد الرنين . 
بيّن الباحثون في M I T أن التحريضية يمكن ان تحدث بشكل مختلف قليلا اذا كان للحقول الكهرومغناطيسية حول الملفات نفس تردد الرنين. تستعمل النظرية ملفا من سلك مثني كعنصر تحريض. و توصل صفيحة ( تعمل كعنصر سعوي) يمكنها أن تخزن الشحنة، توصل الى كل من نهايتي الملف. عندما تتحرك الكهرباء الساكنة ضمن الملف، يبدأ الملف بالرنين. و يكون تردد الرنين له هو حاصل ضرب تحريضية الملف و سعة الصفائح . 
كما في الفرشاة الكهربائية، يعتمد هذا النظام على ملفين. الكهرباء المتحركة على طول الموجة الكهرطيسية، يمكنها الانتقال من ملف الى آخر ما دام لهما نفس تردد الرنين و هذا التاثير مشابه للحالة عندما يؤدي اهتزاز بوق الى اهتزاز آخر . 
عندما يكون كل من الملفين خارج مجال الآخر، لن يحدث شيء، لأن الحقول حول الملفين ليست قوية بشكل كاف لتؤثر بشكل كبير حولهما. بشكل مشابه اذا كان للملفين ترددا رنين مختلفان، لن يحدث شيء. لكن ان تواجد ملفان مهتزان بنفس تردد الرنين قريبا من بعضهما بحيث لا يفصل بينهما سوى عدة أمتار، سيتحرك دفق من الطاقة من الملف المرسل الى المستقبل. و تبعا لما تقوله النظرية، يمكن لملف واحد أن يرسل الكهرباء الى ملفات مستقبلة عديدة، طالما أن هذه الملفات كلها لها نفس تردد الرنين.سمى الباحثون هذا بنقل الطاقة غير الاشعاعي non radiative energy transfer ، لانه يتضمن حقولا ساكنة حول الملفات أكثر من الحقول التي تنتشر في جميع الاتجاهات . 

يقترح العمل المبدئي لفريق M I T أن هذا النوع من الأنظمة يمكن أن يمد بالطاقة أو يعيد شحن كل الاجهزة في غرفة واحدة. و سيتطلب الأمر بعض التعديلات الضرورية لارسال القدرة ( الطاقة) عبر مسافات طويلة، مثل طول بناء كامل أو طول مدينة . 

القسم الثالث : النقل واسع المدى للطاقة اللاسلكية :
سواءً تم استخدام مبدأ الرنين أو لا فإن الطاقة المتولدة تحريضياً تستطيع الانتقال لمسافة قصيرة نسبياً ، و هناك من الخطط العلمية ما يسعى واضعوها لنقل الكهرباء على رقعة من الأرض تتجاوز مساحتها تسعة أميال مربعة(23.4 كيلومتر مربع) ، و أخرى تهدف لنقل الكهرباء إلى الأرض من الفضاء الخارجي . 
فعلى سبيل المثال ، قام مركز أبحاث الاتصالات في كندا بصنع طائرة بدون طيار تقلع باستخدام حزمة طاقية موجهة لها من الأرض ، و سميت شارب (SHARP ) و قد صممت للعمل كحاكمة اتصالاتية بين نظم معينة ، فعدا عن قدرتها على التحليق عالياً لقد كانت قادرة على الطيران المتواصل بمساحة دائرية قطرها 2 كيلومتر و على ارتفاع 21 كيلومتراً و لعدة أشهر متواصلة . 


لقد كان السر كامناً في بنية نظام كامل لهذه الطائرة ، حيث تألف نظامها من محطة أرضية كبيرة لنقل أمواج مايكروية ، و كانت حركة الطائرة على تلك الدائرة متوافقة مع مجال إمداد هذه المحطة ، و زودت الطائرة بجهاز استقبال تقويمي قرصي الشكل خلف جناحي الطائرة لتقويم الأمواج الواردة من المحطة الأرضية و تحويلها إلى تيار مستمر ، و تظل هذه الطائرة تعمل بشكل متواصل طالما بقيت في مجال عمل الأشعة المايكروية الواردة من المحطة . 
و كمثال آخر على تطبيقات الطاقة اللاسلكية : طورت شركة ناسا مصادر طاقية لطائرات غير مأهولة ، حيث استخدم العلماء حزماً ليزرية غير مرئية لتفعيل خلايا جهد ضوئية PhotoVoltaic Cells على سطح الطائرة ، و هذه الخلايا ( بشكل أساسي خلايا شمسية ) تقوم بتحويل أشعة الضوء إلى كهرباء ، هذا النظام من التزويد بالطاقة لا سلكياً بحاجة لتعريض مباشر و دقيق للخلايا للأشعة الضوئية المستقبلة . 
إن لاقط التقويم Rectifying Antennae هو جزء أساسي و مركزي في نظريات تحويل القدرة لا سلكياً ، و هي تكون مبنية عادة من مصفوفات للواقط لها قطب موجب و آخر سالب ، و هذه اللواقط تتصل بثنائيات أقطاب ( Diodes ) ... فإليكم ما يحدث هناك : 
1. الأشعة المايكروية ، و التي تعد مكوناً من مكونات الطيف الكهرومغناطيسي ، تصل إلى اللواقط . 
2. تقوم اللواقط بتجميع طاقة الأشعة المايكروية و تنقلها إلى الثنائيات . 
3. تعمل الثنائيات كحاكمات للتيار تسمح بمرور الالكترونات باتجاه واحد فقط و توجهها نحو شبكة من الأسلاك تسمى Rectenna . 
4. تقوم هذه الشبكة بتقويم و توجيه تيارات الالكترونات إلى النظم أو الأجزاء المراد تغذيتها ، و هناك أفكار أخرى تعتمد على هذه الشبكات في نقل القدرة لمجالات واسعة ، فقد اقترح ديفيد كريزويل من جامعة هيوستون استخدام الأشعة المايكروية لنقل الكهرباء إلى الأرض عن طريق محطات شمسية على سطح القمر . و مئات الألوف من المستقبلات تستطيع حينها التقاط هذه الطاقة و تقوم الشبكات Rectenna بتحويلها لكهرباء مفيدة . 
تنتقل الأشعة المايكروية خلال الغلاف الجوي بسهولة و تقوم الشبكات بتقويم هذه الأمواج و تحويلها إلى كهرباء بشكل فعال جداً ، و بالإضافة لذلك ، يمكن إنشاء شبكات أرضية مزودة بمحطات عمل خاصة
mesh- like frameworks لتسمح بتأريض أشعة الشمس و البخار المحيط لحماية الطاقة المستوردة من تأثير كهربائية البيئة المحيطة ، و تزويد كهذا يسمح بالحصول على طاقة كهربائية نظيفة ، و لكن هناك بعض السلبيات .. : 
• إن محطات الطاقة الشمسية على سطح القمر ستتطلب صيانة و مراقبة ، و بمعنى آخر : هذا يتطلب محطات قمرية مأهولة بالسكان بشكل دائم . 
• هناك موقع أرضي واحد يكون على تواصل مباشر مع حزمة الأشعة الموجهة من القمر إلى الأرض في لحظة معينة ، و لتحقيق وصول منتظم للطاقة إلى كامل الكوكب فإن ذلك سيتطلب شبكة من الأقمار الصناعية تعمل على إعادة توجيه طاقة الأمواج المايكروية . 
• هناك العديد من الناس الذين سيعارضون التعرض الدائم لحمامات الأشعة المايكروية الواردة من الفضاء ، حتى و إن كانت المجازفة و الأخطار قليلة و صغيرة في فعلها نسبياً . 
بينما يقوم العلماء ببناء نماذج أولية لطائرات تعمل بالطاقة اللاسلكية فإن محطات الطاقة الشمسية العاملة على سطح القمر ما زالت نظرية و حبراً على ورق ، و بما أن أعداد سكان كوكب الأرض في تزايد مستمر فإن الطلب المتزايد على الكهرباء قد يسبق خطوات توفيرها و إنتاجها بشكل مناسب و وافٍ للاحتياج.
هل أعجبك الموضوع ؟
رسالة أحدث
السابق
هذا آخر موضوع.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.